خيالات الطلاب المحرومون من مستقبل أخير في وطن الحرب والأزمات
يمنات
ماجد زايد
تخيلوا أنفسكم يا أصدقاء، كطالب صغير تخرج من مرحلة الثانوية العامة بمعدل مرتفع، بعد سنوات شاقة قضاها مجتهدًا ومثابرًا ومقاتلًا ليحقق طموحه وأحلامه وأمنياته، بأن يصبح طبيبًا متفوقًا وشخصًا ناجحًا في حياته، ليأتي من أقصى الوطن مع قناعته المطلقة بأنه مواطن يمني ينتمي لذات الشعب والوطن، لذات الجغرافيا بكل تفاصيلها وحقوقها، ليتقدم في كلية الطب بصنعاء، وينافس ويجتاز المعايير ويختبر ويحقق أعلى الدرجات، متفائلًا، طموحًا، مثابرًا، ومتخيلًا لسنواته القادمة في الجامعة، مستقبله الذي لا يحدث أو يتكرر للأخرين في قريته ومدينته، بسعادة عامرة فوق ما تتصورها السعادة ذاتها، يتخيل أيامه وأوقاته في ساعات المثابرة، بينما يحلم بنفسه وحياته المستقبلية، ومعهما يصر على المزيد من الجد والإجتهاد، متحدثًا عن ذاته وأقرانه بينما يقول في قلبه، نحن أمل أبائنا وأمهاتنا وجداتنا وأخواتنا البنات، نحن الضوء القادم من ضجيج هذا الظلام الحالك، نحن من لا نتكرر، ومن لا يمكن هزيمتنا، وسعادتنا هذه أضاءت ليالينا وبيوتنا وأحلامنا البريئة، ما زلت أتذكر هذا، ففي ذلك اليوم الأول من حصولنا على الدرجات العالية عقب الثانوية العامة تغيرت حياتنا، وصرنا نبذل المستحيل والمستحيل لننطلق في مستقبلنا، أرواحنا طارت الى جامعاتنا وكلياتنا القادمة، كانت تتصفح القاعات وتتجول في الممرات، وتقابل المعلمين، وتتخيل القادم الجميل، كنا نموت كل ليلة من السعادة والفرح، ومن أجلها قررنا إكمال الإجراءات وتجهيز الأوراق والمستلزمات، وفي سبيلها فعلنا المستحيل وأوجدنا المعدوم وحضرنا كل ما يلزم للذهاب إليها..
سامحوني على الإسهاب في الحديث عن خيالات الطلاب المحرومون من مستقبل أخير في وطن الحرب والأزمات، لكنها أخر محاولاتنا للتمسك بالحلم الضائع من بين أيدينا، أنا لن أترك طلابًا أبرياء قال لي بعضهم في سرديات أوجاعهم ما لا يمكن تحمله، أحدهم يقول: أتذكر جيدًا زميلي الذي باع ذهب والدته ليحصل على المال الذي ينجز به سفره للإلتحاق بالجامعة، وصديقي الأخر، باع بعض أملاك والده ليوجد المال والإحتياجات، وأخر ذهب وإستدان من الأخرين، والكثير من المحاولات والحكايات، كانت أمهاتنا تدعوا لنا بالتوفيق والنجاح في مستقبلنا، وأخواتنا ترسمنا على الألواح، عن أشقاء سيغادرون البيت للدراسة وتحقيق الأمنيات، لن تصدقوا هذا، نحن الطلاب أمل أخير لتغيير مستوى عيش بيوتنا الفقيرة، أخر المعجزات وأجمل الأقدار، لقد جهزنا كل أوراقنا وقدمناها، وقررنا السفر ورتبنا الإحتياجات، وتمت أمورنا على خير، وبقي لنا أن نغادر للإختبا ، وفي بعض الليالي فكرنا بأوجاع المغادرة، لكنها غاية لا تعوض ولا تأتي عبثًا، حتى حقائبنا جاهزة وملامحها حنين وأشواق قادمة، وهدايا الفراق حزمت. وبقي السفر والدراسة في وطننا ومدينتنا الكبيرة، صنعاء أم الجميع وعاصمة الشعب الوحيدة..
لكنهم قتلونا حين حرمونا، ورفضونا، وقطعوا فينا أخر الأسباب عن صنعاء، رفضونا لأننا من مناطق يمنية لا يعترفون بها ولا يريدونها، من مدن يحكمها غيرهم، ويسيطر عليها طرف أخر يبدو أنهم لا يحبونه، لم نتخيل هذا، ولم نفكر أبدًا بأننا قد صرنا غرباء ومحرومون في وطننا، هذا الجنون لا يمكننا التعايش معه أو تقبله، لقد أسقطوا أحقيتنا في الدراسة بكلية الطب في جامعة صنعاء، جامعة الشعب اليمني الواحد، ولقد قالوا عنا غير محررين، أو لسنا مواطنين مثلهم، هذا الظلم لا يمكن لأحد تقبله أو تصوره، كيف لنا نحن أن نتعايش معه أو نعود الى بيوتنا على أسامه..! من يمكنه أن يخبرنا كيف يمكننا العودة على أساسه الى بيوتنا؟!
هذا الوطن ظالم جدًا يا أصدقاء..
وقدرنا فيه بائس ولعين..